مقالات وكتابات رأي

نباح الكلاب ولا أصوات المكبرات ؟!!!!

عدت من سفر طويل وسنوات أكلت شبابي وزهرة عمري ..عدت من المهجر ويا ليتني لم
أعد .. تغيرت ملامح الأرض ورأيت وجوه لم أعرفها من قبل والعجيب رأيت بشر تأكل
برسيم وتحاكي البقر في أكلها ..بل هناك صورة مقربة من الحمار في طريقة أكله
وشربه ينظر للأرض في الدقيقة أقل شئ عشر مرات ثم يلتقط حشيشة خضراء ويظل
يلوكها في فمه ويجتر مثل الجمل بدون كلل ولا ملل هالني ما رأيت وافزعني ذلك
المشهد المخيف فقلت في نفسي: ربما يكونوا من آكلي لحوم البشر (فمن يبدأ بورق
الشجر حتما سيأكل لحم البشر ) .. مشيت فرأيت الحمير قد أختفت أين ذاك الصوت
وذاك النغم الذي نسمعه كل يوم نهيق بدون دقيق ..وأين تلك الكلاب التي كانت
تزاحمنا في الدكك نراها تحت الفنادق وبين أزقة البيوت عادة ماتكثر في الليل
وعند الغروب العجيب أننا ولفنا عليها نمر بجنبها كانت عيونها حمراء مثل الجمر
…(تنبح ولكنها لا تعض).. وأثناء جولتي وفي جوفي براكين تتفجر رأيت أصوات
وزحمة وأطقم سيارات..عرفت بأن هناك خطب عظيم اقتربت من الجمع والخوف يتملكني
رأيت أطقم ومكبرات صوت سألت أحدهم بصوت أقرب ما يكون من الهمس : ماذا حصل أيها
الرفيق هنا ؟! ألتفت إلي ورأيت فمه مثل البالون وإذا به من بنو جلدتي وقال: لا
لا شئ مجرد الدولة تخدم الشعب وتقدم المساعدة لأبنائنا الطلاب بمكبرات الصوت
!!! كدت أسقط من ثقته بنفسه وطريقة إيمانه بما يقوم به رجال الشرطة فقلت له :
بارك الله فيهم وصدق من قال الشرطة في خدمة الشعب !! سرت بخطوات سريعة فقد
كانت أصوات المكبرات تخترق طبلة أذني ، تعبت من السير واسندت ظهري لجدار تحت
عمارة على الخط العام ضجيج وأصوات وصراخ وسب ولعن ..رأيت قمامة هنا.. وقمامة
هناك.. وبصاق يملأ الشوارع أشمأزت نفسي فتقيأت لم أكن أصدق مايحدث لي ولكن ما
أنا فيه حقيقة وليس حلم … جلسا شخصين على نفس الدكة بيني وبينهما مسافة
المترين فقط ..جلسا يتحدثان بصوت خافت، أردت القيام ولكن شدني حديثهما عن
التربية والتعليم فقال أحدهما: يا أخي لا تهتم أنا باشتري لك شهادة ، وتوظف
بها، وعلى مسؤوليتي لقد توسطت للكثير ، حتى اسمه ما يعرف يكتبه ، وجلبنا له
شهادة ثانوية عامة وتوظف والآن برتبة عقيد ، وآخر مدرس … أحسست بأن الأرض
تدور بي أغمضت عيناي واسندت ظهري للجدار ، أشعر بدوار وزاد الضغط عندي
…عندما قال صاحبه: أريد شهادة بكالوريوس بكم يا أخي آخر كلام ؟!!! فقال
صديقه وقد أخرج بضع وريقات يلوكها في فمه وأشعل سيجارة ونفخ بها نحوي ثم تأسف:
البكالوريوس بخمس مئة دولار كلام نهائي عجبك أو شرب ماء البحر … تدخلت وقد
ضاق بي الحديث ذرعا وقلت : خلاص يا أخي صاحبك موافق لا تشرب ماء البحر ..ماءنا
مخلوط بمجاري البول ..ثم انطلقت وهما ينظران إلي بدهشة واستغراب… لم أتحمل
ما حصل، فقد زاد ضغطي ، وطلع السكر أنني أعرف علاجي جيدا ، رأيت صيدلية أمامي
فهرعت إليها وأعطيته ورقة العلاج ، وبدون مقدمات أعطاني الدواء دهشت لم يكن
نفس العلاج الذي أعرفه ، صرخت في وجهه وقال : يا باشا كله دواء تختلف المسميات
والعلاج واحد … أخذت نقودي ونفذت بجلدي..كنت أعرف صديق قديم بين تلك
البيوتات طلبت مساعدته في إيجاد علاجي فوصفني على رجل ثقة وأمين… الحمد لله
أول ما رأيته عرفت أنه من بنو جلدتنا بمعوزه وقسمات وجهه ، استلمت العلاج …
ثم أكملت جولتي وأنا أتحسس جواز سفري فلما علمت أنه لازال بجيبي حمدت الله ..
هناك مبنى ضخم اسمه يدل على أن من يدخله يكون في سلام وانشراح سألت شخص كان
بقربي يداعب تلفونه بأطراف بنانه يلبس لبس أبيض يبدو من لبسه أنه مساعد صحي
… ما لي أرى أصوات وزحمة وصراخ بهذا المبنى ؟!! فقال : هنا مشفى السلام يا
باشا معاك مريض هاته سنقوم باللازم !!! شكرته ومن باب الفضول سألته عن مهنته
فقال : طبيب قلب وجراحة عامة… وهممت بالذهاب فرأيت جنازة وأحدهم يصرخ أين
طبيب القلب هذا معقول الساعة عشرة ظهرا ولم يأت ؟!!! قلبت كفا على كف وغادرت
وفي طريقي للمطار علمت بأن محفظتي سرقت عدت أدراجي للمكان المشكوك فيه فرأيت
طبيب القلب يقلبها رأسا على عقب وهو يدخل مئة دولار في جيبه.. فلما رآني بذكاء
ومتمرس قال: أحدهم سرق محفظتك وحفظتها لك يا باشا إحذر سوء الظن ؟! ابتسمت
ابتسامة الليث لفريسته وقلت له : شكرا دكتور أكيد أكيد نحن نأمنكم على قلوبنا
فكيف بمحفظتنا ونقودنا… أخذت سيارة أجرة وقد كان معي في الجيب الداخلي نقود
كافية وعلى بساط الريح ومن المطار إلى جنتي وبستاني ويا ليتني لم أعد وفي
طريقي أردد نباح الكلاب ولا أصوات المكبرات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى